Ads 468x60px

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/08/31

2012/08/12

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

السبت، 26 يوليو 2014

إكراه الناس على العقيدة .. هل كان منهج ابن تيمية؟

رائد السمهوري
عرّض ابن تيمية يرحمه الله للمحنة أكثر من مرة بسبب مذهبه الاعتقادي أولاً، ثم بسبب بعض آرائه الفقهية ثانيًا، ودخل السجن أكثر من مرة، حتى توفي يرحمه الله في القلعة وهو سجين.
امتحان الناس في  عقائدهم مسلك مرذول، فالإنسان مكلف بعقله هو لا بعقل غيره، ثم هو مخالف للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو شأن يخص الإنسان ذاته بينه وبين الله، والزعم بأن تفاصيل مسائل الاعتقاد – فيما سوى المجملات الواردة قطعًا دلالة وثبوتًا -؛ الزعم بأن تفاصيل مسائل  الاعتقاد  التي اختلفت فيها طوائف الأمة عليها إجماع من الصحابة نقل متواترًا؛ هو زعم دون إثباته خرط القتاد، لكن ليس هذا مورد إيضاح هذه المسألة.
سأل رجل من العراق ابن تيميّة أن يكتب له رسالة في الاعتقاد يلتزم بها هو وأهل بيته، فكتب له ابن تيمية رسالة مختصرة، ولأن الرجل من قرية عراقية يقال له: واسط؛ اشتهرت تلك الرسالة بـ “العقيدة الواسطية”، ولندع ابن تيمية يروي القصة بنفسه فيقول:” قدم علي من أرض واسط بعض قضاة نواحيها – شيخ يقال له ” رضي الدين الواسطي ” من أصحاب الشافعي – قدم علينا حاجا وكان من أهل الخير والدين وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد وفي دولة التتر من غلبة الجهل والظلم ودروس الدين والعلم وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، فاستعفيت من ذلك، وقلت: قد كتب الناس عقائد متعددة؛ فخذ بعض عقائد أئمة السنة فألح في السؤال وقال: ما أحب إلا عقيدة تكتبها أنت فكتبت له هذه العقيدة” اهـ.
هذا السبب إذن! فما العقيدة الواسطية إلا فتوى كتبها ابن تيمية بعد أن استعفى السائل من ذلك فألحّ عليه، كتبها له ولأهل بيته خاصّة ولم يبتدئ فيها أحدًا ولا بادر ابن تيمية بنفسه ليدعو إليها، ولكنها انتشرت في العراق ومصر، وهو ما آذى خصومه الأشعرية فشكوا إلى السلطان فأتى به ليمتحنه في عقيدته على مشهد من القضاة والشيوخ يناقشونه ويستوقفونه ويجادلونه.
أما ابن تيمية فكان على يقين أن ما خطّه في العقيدة الواسطية هي عقيدة السلف، ليس هذا فحسب، بل كان على يقين أن ما كتبه في العقيدة الواسطية هو اعتقاد محمد صلى الله عليه وسلم! فقال بلا تردد عن عقيدته إنها “عقيدة محمد” وقال بكل قوة وحزم: “قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين؛ فإن جاءني بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عنه”.
وبغض النظر عن قطع ابن تيمية في أن عقيدته هي بعينها عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم، وبغض النظر عن هذه الشجاعة والجسارة في هذه الدعوى التي بالإمكان مناقشتها؛ فإن ما يهمنا هنا شيء آخر، ما يهمنا هنا هو قول ابن تيمية في سياق الدفاع عن نفسه، إذ قال: “أنا ما بغيت على أحد ولا قلت لأحد: وافقني على اعتقادي وإلا فعلت بك ولا أكرهت أحدا بقول ولا عمل، بل ما كتبت في ذلك شيئا قط إلا أن يكون جواب استفتاء بعد إلحاح السائل واحتراقه وكثرة مراجعته ولا عادتي مخاطبة الناس في هذا ابتداء” اهـ.
فهذا شيخ الإسلام يرحمه الله يقول هنا إن هذه المسائل الاعتقادية لم يكره أحدًا عليها، ولم يفرضها على أحد، بل إنه “ليس من عادته” ابتداء الناس بهذا، ولا مفاتحتهم، ولا إشغالهم فيه، بل إنه لم يكتب في ذلك شيئًا (قط) إلا جواب استفتاء، يأتيه السائل فيطلب منه كتابة شيء من هذا الباب فيعرض عنه، فيلحّ عليه السائل ويكثر مراجعته فلا يكتب له ابن تيمية حتى يحترق السائل تشوفًا لهذا.
وبهذا النص الأخير لابن تيمية الذي أرجو من القارئ تأمله طويلاً طويلاً، والتعمق فيه، وتفكيكه وقراءة المسكوت عنه فيه؛ أختم مقالتي هذه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق